سورة المائدة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إذ كنت موعودَ النَّصر عليهم، وهم المنافقون، وبان لهم ذلك بقوله: {من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون} أَيْ: فريقٌ سمَّاعون {للكذب} يسمعون منك ليكذبوا عليك، فيقولون: سمعنا منه كذا وكذا لما لمْ يسمعوا {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} أَيْ: هم عيونٌ لأولئك الغُيَّب ينقلون إليهم أخبارك {يحرفون الكلم من بعد مواضعه} من بعد أن وضعه الله مواضعه. يعني: آية الرَّجم. {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه} يعني: يهود خيبر بالجلد، وهم الذين ذكروا في قوله: {لقوم آخرين لم يأتوك} وذلك أنَّهم بعثوا إلى قريظة ليستفتوا محمداً صلى الله عليه وسلم في الزَّانيين المحصنين، وقالوا لهم: إنْ أفتى بالجلد فاقبلوا، وإن أفتى بالرَّجم فلا تقبلوا، فذلك قوله: {إن أوتيتم هذا} يعني: الجلد {فخذوه} فاقبلوه {وإن لم تؤتوه فاحذروا} أن تعملوا به {ومن يرد الله فتنته} ضلالته وكفره {فلن تملك له من الله شيئاً} لن تدفع عنه عذاب الله {أولئك الذين} أَيْ: مَنْ أراد الله فتنته فهم الذين {لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} أن يُخلِّص نيَّاتهم {لهم في الدنيا خزيٌ} بهتك ستورهم {ولهم في الآخرة عذاب عظيم} وهو النَّار.
{سماعون للكذب أكالون للسحت} وهو الرِّشوة في الحكم. يعني: حكَّام اليهود، يسمعون الكذب ممَّنْ يأتيهم مُبطلاً، ويأخذون الرِّشوة منه فيأكلونها {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} خيَّر الله نبيَّه في الحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه، ثمَّ نسخ ذلك بقوله: {وأن احكم بينهم...} الآية.
{وكيف يحكمونك} عجَّب الله نبيَّه عليه السَّلام من تحكيم اليهود إيَّاه بعد علمهم بما في التَّوراة من حكم الزَّاني وحدِّه، وقوله: {فيها حكم الله} يعني: الرَّجم {ثمَّ يتولون من بعد ذلك} التَّحكيم فلا يقبلون حكمك بالرَّجم {وما أولئك} الذين يُعرِضون عن الرَّجم {بالمؤمنين}.


{إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً} بيان الحكم الذي جاؤوك يستفتونك فيه {ونور} بيانٌ إنَّ أمرك حَقٌّ {يحكم بها النبيون} من لدن موسى إلى عيسى، وهم {الذين أسلموا} أَي: انقادوا لحكم التَّوراة {للذين هادوا} تابوا من الكفر، وهم بنو إسرائيل إلى زمن عيسى {والربانيون} العلماء {والأحبار} الفقهاء {بما استحفظوا} استرعوا أَيْ: بما كُلِّفُوا حفظه من كتاب الله. وقيل: العمل بما فيه، وذلك حفظه {من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} أنَّه من عند الله، ثمَّ خاطب اليهود فقال: {فلا تخشوا الناس} في إظهار صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم والرَّجم {واخشون} في كتمان ذلك {ولا تشتروا بآياتي} بأحكامي وفرائضي {ثمناً قليلاً} يريد: متاع الدُّنيا {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} نزلت في مَنْ غيرَّ حكم الله من اليهود، وليس في أهل الإسلام منها ومن اللتين بعدها شيءٌ.
{وكتبنا عليهم فيها} وفرضنا عليهم في التَّوراة {أنَّ النفس} تُقتل {بالنفس والعين بالعين...} الآية. كلُّ شخصين جرى القصاص بينهما في النَّفس جرى القصاص بينهما في جميع الأعضاء والأطراف إذا تماثلا في السَّلامة، وقوله: {والجروح قصاص} في كلِّ ما يمكن أن يُقتصَّ فيه، مثل الشَّفتين، والذَّكَر، والأُنثيين، والأليتين، والقدمين، واليدين، وهذا تعميمٌ بعد التَّفصيل بقوله: {العين بالعين والأنف بالأنف}. {فمن تصدَّق به فهو كفارة له} مَنْ عفا وترك القصاص فهو مغفرةٌ له عند الله، وثواب عظيم.
{وقفينا على آثارهم بعيسى} أَيْ: جعلناه يقفو آثار النَّبيِّين. يعني: بعثناه بعدهم على آثارهم {مصدقاً لما بين يديه من التوراة} يُصدِّق أحكامها ويدعو إليها {وآتيناه الإِنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدىً وموعظة} معناه: وهادياً وواعظاً.


{وليحكم أهل الإِنجيل} أَيْ: وقلنا لهم: ليحكموا بهذا الكتاب في ذلك الوقت.
{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه} أَيْ: شاهداً وأميناً، وحفيظاً ورقيباً على الكتب التي قبله، فما أخبر أهل الكتاب بأمرٍ؛ فإنْ كان في القرآن فصدِّقوا، وإلأَّ فكذِّبوا {فاحكم بينهم} بين اليهود {بما أنزل الله} بالقرآن والرَّجم {ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} يقول: لا تتَّبعهم عمَّا عندك من الحقِّ، فتتركه وتتَّبعهم {لكلٍّ جعلنا منكم} من أُمَّة موسى وعيسى ومحمَّد صلَّى الله عليهم أجمعين {شرعة ومنهاجاً} سبيلاً وسنَّة، فللتَّوراة شريعة، وللإِنجيل شريعة، وللقرآن شريعة {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} على أمرٍ واحدٍ ملَّة الإِسلام {ولكن ليبلوكم} ليختبركم {فيما آتاكم} أعطاكم من الكتاب والسُّنن {فاستبقوا الخيرات} سارعوا إلى الأعمال الصَّالحة الزَّاكية {إلى الله مرجعكم جميعاً} أنتم وأهل الكتاب {فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} من الدِّين والفرائض والسُّنن. يعني: إنَّ الأمر سيؤول إلى ما يزول معه الشُّكوك بما يحصل من اليقين.
{واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} أَيْ: يَسْتَزِلُّوكَ عن الحقِّ إلى أهوائهم. نزلت حين قال رؤساء اليهود بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى محمد لعلَّنا نفتنه، فنزدَّه عمَّا هو عليه، فأتوه وقالوا له: قد علمت أنَّا إن اتَّبعناك اتَّبعك النَّاس، ولنا خصومةٌ فاقض لنا على خصومنا إذا تحاكمنا إليك، ونحن نؤمن بك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله هذه الآية: {فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} أي: فإن أعرضوا عن الإِيمان، والحكم بالقرآن فاعلم أنَّ ذلك من أجل أنَّ الله يريد أن يعجِّل لهم العقوبة في الدنيا ببعض ذنوبهم ويجازيهم في الآخرة بجميعها، ثمَّ كان تعذيبهم في الدُّنيا الجلاء والنَّفي {وإنَّ كثيراً من الناس لفاسقون} يعني: اليهود.
{أفحكم الجاهلية يبغون} أَيْ: أيطلب اليهود في الزَّانيين حكماً لم يأمر الله به، وهم أهل كتاب، كما فعل أهل الجاهليَّة؟! {ومَنْ أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} أَي: مَنْ أيقن تبيَّن عدل الله في حكمه، ثمَّ نهى المؤمنين عن موالاة اليهود، وأوعد عليها بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء...} الآية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8